لا يُمكن مُقارنة أي معركة بأخرى، من حيث الخسائر والكلفة البشريّة وسرعة التقدّم والتوقيت الزمني الذي إستغرقته إلى ما هناك من تفاصيل، لأنّ لكل معركة ظروفها ومُعطياتها الميدانية وطبيعتها، إلخ. لكن يُمكن الحديث عن الفروقات بين معركة وأخرى، والتي من شأنها أن تجعل معركة مُختلفة عن أخرى، وهذه هي الحال بالنسبة إلى معركتي طرد تنظيمي "​جبهة النصرة​" و"داعش" ​الإرهاب​يّين من الجرود اللبنانيّة المُحتلّة. وفي هذا السياق، يُمكن تعداد ما يلي:

أولاً: المساحات الجغرافية التي يحتلّها تنظيم "داعش" الإرهابي أكبر من تلك التي كانت تحتلّها "جبهة النصرة" الإرهابيّة، وهي تشمل العديد من التلال والهضاب المُرتفعة، الأمر الذي يجعل من طبيعة المعركة أصعب بكثير للقوى المُهاجمة، خاصة لجهة إستغراق المزيد من الوقت لتغطية كامل المساحة المطلوب تحريرها، وكذلك لجهة ضرورة التقدّم ببطء أكبر لتجنّب وقوع الكثير من الإصابات نتيجة تمركز العدّو في مواقع مُرتفعة وكاشفة للميدان، بحيث أنّ المطلوب تدمير هذه المواقع بالمدفعيّة والصواريخ قبل التقدّم نحوها.

ثانيًا: بغضّ النظر عن عدد مُسلّحي كل من التنظيمين الإرهابيين، حيث تتضارب الأرقام بشكل كبير بالنسبة إلى عديد "داعش" وحتى بالنسبة إلى عديد "جبهة النصرة" الذين إنسحبوا من المنطقة بعد معركتهم الخاسرة، إنّ أسلوب قتال مُسلّحي "داعش" عدائي وشرس أكثر من أسلوب قتال مُسلّحي "جبهة النصرة"، بمعنى أنّ مُقاتلي "الدولة الإسلاميّة" المزعومة، ومن بينهم الكثير من خارج ​سوريا​ بعكس مُقاتلي "جبهة النصرة" الذين هم بأغلبيّتهم من سوريا، يُحاربون حتى الموت. ويضمّ تنظيم "داعش" في صُفوفه الكثير من الإنتحاريّين ومن الإنغماسيّين الذين ينتظرون تقدّم القوّات المُهاجمة لتفجير أنفسهم فيها، الأمر الذي يستوجب المزيد من الحذر خلال مُهاجمة مواقع هؤلاء والتقدّم للسيطرة عليها. كما أنّ تنظيم "داعش" يملك ترسانة واسعة من الأسلحة، لا سيّما بعض الصواريخ المُضادة للدروع، ومدافع هاون، ومجموعة من صواريخ "غراد" و"كاتيوشا"، ما يعني أنّه قادر على إعاقة القوى المُهاجمة عن بُعد، وكذلك على قصف القرى والبلدات اللبنانيّة الحدوديّة الآمنة.

ثالثًا: إنّ المعركة التي خاضتها "جبهة النصرة" كانت من البداية معركة "شروط الإستسلام"-إذا جاز التعبير، حيث كانت تتراجع سريعًا من موقع إلى آخر، على وقع مُفاوضات مباشرة تقضي بأنّ تُسلّم أسرى وجثامين مُقاتلي "​حزب الله​"، في مُقابل تأمين إنسحاب مُقاتليها بسلاحهم الفردي إلى منطقة خاضعة لسيطرة "جبهة النصرة" في العمق السوري. في المُقابل، إنّ المعركة مع تنظيم "داعش" لا تبدو حتى هذه اللحظة أنّها ستسلك هذا الطريق، نتيجة رفض إرهابيّي "داعش" إعطاء أي معلومات قيّمة عن العسكريّين المخطوفين منذ ثلاث سنوات، تسهيلاً لأي تسوية مُحتملة تقضي بإنسحابهم في مُقابل الكشف عن مصير العسكريّين.

رابعًا: إنّ ​الجيش اللبناني​ لا ينوي التقدّم سريعًا في هجومه على مواقع تنظيم "داعش"، وذلك بهدف خفض حجم الخسائر البشريّة في صُفوفه إلى أدنى مُستوى مُمكن، بينما "حزب الله" نفّذ هُجومًا سريعًا وخاطفًا على مواقع "جبهة النصرة" كلّفه خسارة 26 مُقاتلاً في غضون 72 ساعة، إضافة إلى سُقوط عشرات الجرحى. يُذكر أنّ "الحزب" كان مُستعجلاً لحسم المعركة سريعًا، لأنّه لم يكن يعرف كيف سيتطوّر موقف مُسلّحي كل من "داعش" و"​سرايا أهل الشام​" إزاءها، بينما الجيش اللبناني يُحارب مُسلّحي "داعش" وهو يعلم أنّه لم يبق سواهم في كل منطقة الجرود، ويستطيع بالتالي التحكم بوتيرة الهجوم لجهة زيادة سرعته أو تخفيفها، حسب الحاجة الميدانيّة والضرورات القتالية.

خامسًا: الجيش اللبناني يستفيد في معركته من تأييد شعبي شامل وغير مُجتزأ، ومن غطاء سياسي محلّي كامل، ومن دعم إقليمي ودَولي واضح، الأمر الذي يجعله مُرتاحًا للمعركة، ولا يُخشى أي إرتدادات سلبيّة على الداخل اللبناني، ولا أيّ إعتراضات أو تدخّلات سياسيّة مُحتملة في حال طال زمنها، علمًا أنّه أنشأ مركزًا إعلاميًا لإطلاع الرأي العام والصحافيّين والإعلاميّين على تطوّرات المعركة بشكل دَوري ومُتكرّر كلّما دعت الحاجة، منعًا لأي تأويلات في غير محلّها بشأن الحرب على الإرهاب.

في الختام، المعركة الحالية ضُد إرهابيّي "داعش" لا يُمكن أن تنتهي سوى بالنصر الكامل للجيش اللبناني، مع كل التمنيّات بأن تكون كلفتها البشريّة منخفضة جدًا، وأن تكون نتيجتها النهائية تحرير الجرود اللبنانيّة بكاملها وتحرير العسكريّين أيضًا، أو على الأقلّ كشف مصيرهم.